الحبُّ في أسمى معانيه

الحبُّ الحقيقي هو الأساس الذي يقوم عليه الزواج. الحبُّ الذي لا يمكن أن يكون يومًا نزوة أو عاطفة، بل هو فعل. الحبُّ هو التوافق بين الحاجات الحيويَّة والمشاعر الوجدانيَّة. الحبُّ هو أسمى العلاقات التي يمتزج فيها العقل بالعاطفة، ويصبح الشريكان كتلة واحدة فتنصهر أفكارهما ومشاعرهما وأهدافهما. الحبُّ هو الانسجام في أسمى معانيه. هو العطاء الذي لا أنانيَّة فيه، هو الغذاء الروحي الذي يعمق نداء الفطرة الإيماني بحب الله. فالحياة الزوجيَّة علاقة تجمع بين طرفين لكل منهما كيانه وشخصيته المستقلة، ولا يعني ذلك أنَّ كلا منهما يفعل ما بدا له، بل عليه أن يدرك أنَّه لم يعد حرًا كالسابق، وأنَّ هناك شريكًا معه لابد من احترام رغبته ومتطلباته. ولكن ماذا يحدث الآن؟ كل طرف يريد أن يتخلى عن واجباته ومسؤولياته ويتمسك بحياته السابقة، فالزوج الذي اعتاد على السهر وصحبة الأصدقاء والرجوع وقتما شاء ينكر أنَّ لزوجته عليه حقًا.

والزوجة التي تعودت على أن تنام وقت ما تشاء وتستيقظ وقت ما تريد، مدللـة مرفَّهة لا تعمل شيئًا، عليها أن تدرك أنَّ لزوجها عليها حقًا، نسي الزوجان أنَّ لكل منهما واجبات وعليهما مسؤوليات، ولا يجب أن يسعى أي طرف إلى طلب المزيد من الحقوق من دون أن يؤدي واجباته، ويرضي ذاته على حساب الطرف الآخر، ولا يرغب بتحمل المسؤوليَّة. وفي المقابل يريد أن يحظى بالمزيد من الحقوق ويترك لشريك حياته المسؤوليات التي يجب أن يقوم هو بأدائها، ونحن نعلم أننا مسؤولون أمام الله عما نسترعي من أمانة، وهل حفظناها أم ضيعناها؟، والحفظ هو أن نحفظ النفس من الخروج عن الخط المستقيم حتى نرضي أنفسنا وننال المزيد؛ مما ينتج عنه صراع من شأنه أن يحدث التنافر وانعدام الترابط الذي يؤدي إلى التفكك في العلاقة. يجب على كل طرف أن يتغلب على الأنانيَّة وحبِّ الذات، وأن يشبع الحاجات الحيويَّة والاجتماعيَّة لشريك حياته، وأن يجعل سعادة ونجاح علاقته مع الطرف الآخر أهم أهدافه التي يجب أن يحققها، وأن يتعامل مع شريكه بذكاء، ويعيد فهم بعض المبادئ والأسس التي تقوم عليها العلاقة، كأن يتصور الزوج زوجته بأنَّها صديقته وليست فقط أم أولاده وشريكة حياته، ويحاول كسب ودها وصداقتها، وعلى الزوجة أن تنظم وقتها وتخفف من المهام المرهقة التي تنسيها أنَّها امرأة وأنثى، وأن لديها رجلاً يريد أن يشعر بأنَّه إنسان يحتاج إلى صديقة تمتلك مهارات حسن الاستماع، ولا ينشغل الطرفان بالغضب والمهاترات والصراع والنكد؛ لأنَّ ذلك لن يجلب لهما إلا الشقاء؛ نظرًا لعدم رؤيتهما إلا لصغائر الأمور وتوافهها. إنَّ الزواج ميثاق غليظ، قبول وتقبل، وانشراح، وألفة، وقناعة، ورضا، وتقدير، وأمان واطمئنان. فبالزواج ينمو الحبُّ ويزدهر، ويحدث التوافق والتكيف والانسجام لتلك العلاقة الرائعة.